روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | حدثني صديقي.. المغترب (1)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > حدثني صديقي.. المغترب (1)


  حدثني صديقي.. المغترب (1)
     عدد مرات المشاهدة: 3158        عدد مرات الإرسال: 0

هناك في بلد الغربة، يعيش صديقي القديم، يروي لي بين الحين والآخر قصصًا من ذلك العالم الغريب، هناك في بريطانيا، حيث الانفتاح على المفهوم الغربي، والحرية على قانونهم، ابتدأ صاحبي قصصه بهذه الحكاية العجيبة، كنتُ أظنه يجرب خياله وإبداعه، ولم أتوقع أن تكون تلك قصةً واقعية، قلت له: (يا عليُّ)، هل أنت تعني ماتقول!!..

وحينها احمرتْ عيناه ـحسرةً أو تأثرًا ـوسرد لي القصةَ من أولها، فقال (وليته كان يجرب الخيال):

لي ابن صغير (عبد الرحمن)، يملأ البيت جمالًا ولعبًا، وامتلأ قلبي به حبًا وعشقًا، أراه حين يلعب فتشرق دنياي سرورًا، وتضيءُ أفلاكي أنوارًا وحبورًا، ومرتْ الأيام وأنا وهو على أجمل حال، وخلال أيامٍ لاحظتُ أنه أصبح يخطيءُ السير، وقد تأخر عن وقت مشي أترابه، فامتلأ رأسي من الهواجس المخيفة، فانطلقتُ نحو أقرب مركز صحي هنا في موطني قبل سفري لبريطانيا، فرأوا الطفل، وخلال دقائق قرر الأطباء أنه على أتم حال، وهكذا رجعتُ كما ذهبتُ…

وتمرُّ الأيام وابني لا يزال عاجزًا عن السير، فتشفعتُ بصديقي فعرفني إلى طبيبٍ في المستشفى العام، فأوصاه بي وقال: (استوصِ بعلي فهو زميلنا في الصحة) وهنا ذهبتُ أفكر، ألا يكفي أنني مواطن لكي يخدمني، وكيف سيتوصى بي..

وبمنةٍ ظاهرةٍ من ذلك الطبيب، تصدَّقَ علي بتحويلٍ إلى المستشفى التخصصي بالرياض، وذهبت جذلان فرحًا، وتكلفت ثمن الإقامة هناك أنتظر الموعد، وفعلًا أصبحت في عيادة الدكتور، فعاين ابني، ثم قال: (ابنك طبيعي جدًا، وليس لديه مشكلة والزمن كفيل بحل مشكلته البسيطة)..

ثم قبل أن أذهب تم سحب مصلٍ من دم ابني، فتفاءلتُ وظننتهم سيعملون له فحصًا، فسألتهم، فقالوا: أخذنا المصل لأجل أبحاثنا الخاصة في المستشفى، هكذا إذن وبدون علمٍ مسبق مني، بل بعلم مجبر عليه تم ذلك…

وخرجتُ وصدقني أنني أحسب أن مشكلتي قد انتهت وأنني قد أتعبت نفسي وابني بلا فائدة..

وبعد أيام سافرتُ إلى بريطانيا، إلى بلد كنتُ أسمع عنها كل سوء، كل بلاء، كل عقوق، هكذا كنت أسمع..

واندمجتُ هنا في المجتمع، وفي أول أيامي، كان لزامًا علي أن أسجل في أقرب مركز صحي، وهناك حدثت المفاجأة…

بعد تدوين معلوماتي، ذكرتُ لهم مشكلة ابني، وأنني عرضته على أفضل المستشفيات في بلدي، ولكنه لا يزال كما هو، وهناك بدأت القصة، بدأت الحياة في نظري كما هي في أملي، تجمع حولي فريق طبي، وبدأوا بعمل فحوصات سريعة لابني وأنا (مغترب) ولستُ مواطنًا، ثم أخبروني بأنهم سيتابعون طفلي، متابعة دقيقة لمعرفة سبب المشكلة، وبعد أيام جاءتني رسالة على بريدي، بأن لدي موعدًا في المستشفى المتخصص، وأن سائقًا خاصًا سيأتيني ليقلني إلى المستشفى، في الموعد المحدد، (نعم هذا ما حدث والله)، فبقيت فاغرًا فاي دقائق معدودة، ثم وقع تأويلُ الكتاب، وفي اليوم المحدد جاء السائق، وذهبت معه، وأنا أنظر إلى ولدي وأقول (ابن مَنْ أنت؟، لم كل هذا الاهتمام!!)..

وعندما وصلت المستشفى وجدتُ طاقمًا في استقبالي، فذهبت إلى غرفة الفحص وعملوا لي جميع الفحوصات اللازمة، ثم أخبروني بأن الطبيبة سوف تأتيني إلى البيت كل أسبوع لمتابعة الحالة، وكانت تأتيني ومعها الألعاب التي تكشف من خلالها مشكلة ابني، واستمر الحال على ذلك، ثم ضربوا لي موعدًا كل أسبوع في المستشفى، والسيارة الخاصة تأتيني إلى بيتي ثم تقلني إلى المستشفى ولم أدفع والله سنتًا واحدًا، ووجدتُ كل تقدير وكل احترام وكل إنسانية، هكذا رأيت…

ثم في أحد الأيام اتصلت بي المستشفى وأخبروني أن الطبيبة ستأتي إلى البيت في موعد محدد فاعتذرت لأنني كنت منشغلًا، فقالوا لي يكفي وجود زوجتك، فقلت لهم هي لا تعرف اللغة الانجليزية، فقالوا: (وليتهم لم يقولوا) فقالوا: نحن ملزمون بأن نأتي بمترجمة، وهكذا ما كان والله يا صديقي…

واستمر السائق يأتيني لأكثر من ثلاثين مرة كل أسبوع، فيذهب بي إلى المستشفى ثم أعود، حتى مللتُ، ولكثرة الأشغال، ولأنني أحسست بالكرامة، قلت لهم أريد سائقة تأتي فتذهب بزوجتي وابني حتى لا أنشغل بالمواعيد، فما ذا تتوقع أنهم فعلوا؟؟

قلت له: الله أعلم..

قال: هذا ما كان والله خصصوا لي سائقة تأتي لتقل زوجتي وابني، إلى المستشفى.. كل هذا يا صديقي في بلاد الغربة، بلاد الكفر، وكل هذا ومشكلة ابني هي أنه تأخر في المشي قليلًا عن موعده المحدد، وكل هذا والزمن كفيلٌ بحلها في بلدي، وفي يوم من الأيام…
ترك ما سيأتي من الأيام،، فآهٍ على وطني…


موقع الدكتور: فهد مبارك الوهبي